في نيسان 2003 سقط و أحتل العراق, وعبر الكثير من العراقيون عن مشاعرهم بأسلوب مشابه لما فعله أبو تحسين العراقي, وذهبت السكرة وأتت الفكرة كما يقولون, فأطلق العديد من المواطنين لمخيلتهم العنان وهم يستجلبون صورة اليابان وألمانيا في أذهانهم وكيف أصبحتا بعد دخول أمريكان إليهما.
وكيف ستكون شوارع بغداد وخصوصا بعد نزول القوات الهندسية للجيش الأمريكي لتنظيف الشوارع ورفع الأنقاض فقد أستبشر الناس خيرا وصورة طوكيو وبون ماثلتا في مخيلتهم على ضوء ما سمعوه ممن حالفهم الحظ بزيارتهما في الوقت الذي كان السفر لخارج البلاد ممنوعا على الكثيرين.
وبما أن العراقي همه بطنه وفكره وآماله بسيطة ويقبل بأقل الأشياء لطيبته وبساطته مع أنه معروف عنه بأنه أبو فورة (سيفون) فسرعان ما يفور .. فيخمد, فأخذ يتخيل كيف ستكون عليه الحصة التموينية وعلى ماذا ستشتمل (علاوة على الكورن فليكس وسكاكر وحلويات الماكنتوش التي يحبها ويفضلها العراقيون), والبلاك ليبل الذي سيوزعونه مع الحصة بدلا من العرق المحلي الذي يعاقره البعض كعادة قبيحة أو في الأفراح, ولكن سرعان ما أفاقوا على مشاهد النهب والهدم والحرائق و صور الغوغاء وهي تسرق وتنهب وتخرب وتدمر ظاهرة على التلفاز في الفضائيات.
لم يسأل احد نفسه ما هذا الذي يحدث؟
كيف سمحت القوات الأمريكية التي أسقطت الحاكم الطاغية بكل جبروته لمجاميع من الأوغاد إن تسرح وتمرح في شوارع بغداد حاملة ما تيسر لها من غنائم بعد أن حللها لهم بعض المعممين وهناك منهم من يتفاخر بهذه العمليات على شاشات التلفاز وعبر القنوات الفضائية العالمية والعربية الشامتة.
من قلة حكمتنا وغبائنا قال الكثيرون (ميخالف ..... أنطو شوية صبر)، أنها فورة و سرعان ما ستنطفئ مشاعر الغضب المستعرة في الصدور منذ سنين, فأنها قد انطلقت من عقالها ، وليست سوى أيام ويتسلم المخلصون زمام الأمور ليبدءوا بإعادة الأعمار الذي يتحدثون عنه كل يوم في الإذاعات واللقاءات في التلفاز من خلال المحطات الفضائية المؤجرة.
ثم بدأت مودة خطف الأطباء وأساتذة الجامعات والمطالبة بدفع الفدية فخاطفيهم كثيرا ما كانوا يرتدون ملابس رجال الشرطة ويستخدمون سياراتهم!، فمات من مات وهاجر من هاجر وتقوقع وتقاعد البعض وأنزوا في مكان ما.
وتشكل مجلس الحكم تأصيلا على قاعدة ديمقراطية تعتمد المحاصصة المستندة على الطائفية والعنصرية والمحسوبية والتزكية البغيضة, فتوزع أصحاب العمايم (حتى وأن لم يضعوها على رؤوسهم) واللحى والمحابس (الخواتم) الكبيرة, فهم ممثلين لمجلس الحكم و رموز الطائفية والفئوية ... ونحن نعيش في عصر الديمقراطية التي نحتاج فيها إلى التكنوقراط والمختصين حتى يساعدوا في بناء البلد!
فما أن شاهدناهم حتى عرفنا أنهم أسوء من الملالي وأكثر منهم فئوية وطائفية بل مصيبتهم أنهم مجموعة حرامية همهم الأكبر ملئ جيوبهم وجيوب من سعوا بجلبهم بأسرع ما يكون, فقد تبين بأن العديد منهم كان قد زور وثائقه وشهادته, (وفضائح انتخابات مجالس المحافظات ليست ببعيدة عنا).
وبدأت الفضائح تترى والسرقات تصل للمليارات من الدولارات والتقارير الحكومية الرسمية والمفتش العام تكاد لم تستثني وزارة أو دائرة من استشراء الفساد الإداري والمالي فيها فهو قد طال الرؤوس والقمم من الوزراء والمدراء العامين, هذا إضافة إلى التسويات والمساومات بدأ من مجلس النواب و....
هذا هو حال بلدنا المسكين والذي حل عليه غضب الله, فأن حالنا لا يسر عدو ولا صديق, وكل ما نرجوه هو أن يرفع الله هذه الغمة عن هذه الأمة, وعلى الله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مهند الشيخلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق