الستر
الستر من أهم صفات المسلم المؤمن , فالله سبحانه و تعالى سِتِّير يحب الستر، ويستر عباده في الدنيا والآخرة.
روى أبو داود أن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) كان له كاتب ، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر , فقال الكاتب يومًا لعقبة: [[ إنَّ لنا جيراننا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم ]]
فقال له عقبة: [[ لا تفعل وعِظْهُمْ ]]
فقال الكاتب: [[ إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشرطة ]]
فقال له (عقبة رضي الله عنه) : [[ ويحك لا تفعل فإني سمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم ]] يقول : [[ من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة ]].
كما ورد بأن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جلس بين مجموعة من أصحابه ، فأخرج أحد الحاضرين ريحًا ، فأراد سيدنا عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ , فقال جرير بن عبد الله (رضي الله عنه) لسيدنا عمر:
[[ يا أمير المؤمنين ، أو يتوضأ القوم جميعًا؟ ]]
فسُرَّ سيدنا عمر بن الخطاب من رأيه وقال له: [[ رحمك الله نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية ، ونعم السيد أنت في الإسلام ]].
ومن قصص الستر ما رواه أحمد بن مهدي قال: [[ جاءتني امرأة ببغداد ، ليلة من الليالي ، فذكرت أنها من بنات الناس ]]
وقالت: [[ أسألك بالله أن تسترني ]]
فقلت: [[ وما محنتك؟ ]]
قالت : [[ أكرهت على نفسي ، وأنا الآن حامل ، وقد توقعت فيك النجدة والشهامة والستر ، فذكرت لكل من يعرفني أنك زوجي ، وأن ما بي من حمل إنما هو منك ، فأرجوك لا تفضحني ، استرني سترك الله عز وجل ]].
قال - سمعت كلامها وسكت عنها ، ثم مضت ... وبعد فترة وضعت مولودًا ، ففوجئت بإمام المسجد يأتي إلى داري ، ومعه مجموعة من الجيران يهنئونني ، ويباركون لي بالمولود , فأظهرت لهم الفرح والتهلل ، ودخلت حجرتي ، وأتيت بمائة درهم، وأعطيتها للإمام قائلاً : [[ بشرك الله بالخير ، أنت تعرف أنني قد طلقت تلك المرأة ، غير أنني ملزم بالنفقة على المولود ، وأرجوك أن تعطي هذه المائة للأم ، كي تصرف على ابنها، وسوف أتكفل بمثلها مع مطلع كل شهر ، وأنتم شهود على ذلك ]].
وأكمل استمررت على هذا المنوال بدون أن أرى المرأة و مولودها ! ... وبعد ما يقارب من عامين توفي المولود ، فجاءني الناس يعزونني ، فأظهرت لهم التسليم بقضاء الله وقدره ، ويعلم الله أن حزنًا عظيمًا قد تملكني , لأنني تخيلت المصيبة التي حلت بتلك الأم المنكوبة ... وفي ليلة من الليالي , وإذا بباب داري يقرع ، فلما فتحت الباب ، لأفاجأ بالمرأة ومعها صرة ممتلئة بالدراهم ، وقالت لي وهي تبكي: [[ هذه هي الدراهم التي كنت تبعثها لي كل شهر مع إمام المسجد ، سترك الله كما سترتني]].
حاولت أن أرجعها لها، غير أنها رفضت ، ومضت في حال سبيلها ... وما هي إلاّ سنة وإذا بها تتزوج من رجل مقتدر وصاحب فضل ، أشركني معه في تجارته وفتح الله عليّ بعدها أبواب الرزق من حيث لا أحتسب.
وروى الدكتور راتب النابلسي قال: حدثني رجل عن عالم جليل كان قاضيًا في دمشق، جاءته امرأتان، واحدة بينهما ذات وزن ثقيل ، وثمة درج قبل أن تصل إليه – ودون أن تشعر - صدر صوت مزعج من هذه المرأة ، صوت قبيح ، فذابت خجلاً من القاضي ، الذي سألها بسرعة: [[ما اسمك يا أختي؟]]
فذكرت له اسمها - فقال: [[ لم أسمع ، ارفعي صوتك ]] ... ثم قال مرة أخرى:
[[ لم أسمع ، ارفعيه أكثر ]] ... فقالت لأختها: [[ الحمد لله لم يسمعنا ]].
وكما روى أيضًا أن أحد خطباء دمشق ، و(القصة من خمسين سنة تقريبًا) ، رأى في المنام رسول الله صل الله عليه وسلم ، يقول له: [[ قل لجارك فلان - إنه رفيقي في الجنة ]]
وكان جاره هذا بائعًا فقيرًا شديد الفقر ، من جيران المسجد ,,, طرق الخطيب باب الرجل ، ففتح له الجار الباب ورحب به فقال له: [[ لك عندي بشارة من رسول الله صل الله عليه وسلم، ولن أعلمك إياها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ ]]
فامتنع الرجل ، فألح عليه خطيب المسجد ، وأقسم ... فقال له: [[ كنت خطبت امرأة وتزوجتها ، وفي الشهر الخامس ، كانت حاملاً في الشهر التاسع ، يعني أن الحمل لم يكن مني ، زلت قدمها ، وكان بإمكاني أن أفضحها ، وأن أطلقها ، لكن أردت أن أسترها ، فلعلها تتوب على يدي ، جئت لها بولاّدة ، وولدت في الليل ، وحملت الطفل الصغير الذي ليس مني تحت عباءتي ، ودخلت جامعًا في
السنجقدار (محلة من محلات دمشق) ، بعد أن نوى الإمام فريضة الفجر ، فوضعت الغلام وراء الباب ، والتحقت بالمصلين ، ولم يرني أحد ، فلما انتهت الصلاة تحلق الناس حول الغلام ، ودهشوا ، فجئت ، وكأني لم أعلم ما الخبر ، فهتفت في الناس: أنا أكفله ، أعطوني إياه فأنا مشتاق للولد ,,, فأخذته أمام أهل الحي على أنه لقيط ، وتوليت تربيته ، ورددته إلى أمه التي تابت بعد ذلك وحسن حالها بفضل الله تعالى ]].
فلقد أمرنا بالستر وخصوصا ستر أسرار الزوجية - فعلى المسلم أن يستر ما يدور بينه وبين أهله ، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة ، وقد أمرنا الدين الحنيف بكتمانها ، وعدَّها الرسول صل الله عليه وسلم أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها ، وإنما عليه أن يسترها حيث قال صل الله عليه وسلم : [[ إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته ، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها ]] (مسلم و أبو داود)
هذه هي تعاليم ديننا الحنيف وهكذا كان حالهم رحمهم الله ، يعكس كل معاني الشهامة و النخوة و الرجولة و الستر - ممتثلين بحديث نبينا الكريم صل الله عليه وسلم [[ من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ]].
فما بال بعض الناس اليوم ، يتسابقون مع أمثالهم لالتقاط المقاطع الفاضحة ويسارعون في نشرها وتوزيعها عبر البلوتوث والإنترنت و اليوتيوب ويفاخر كل منهم بأنه هو أول من صورها أو حصل عليها ووزعها ولا يدرون بان عليهم أثم تصويرها وتوزيعها و هناك إثم على كل من يشاهدها, بل هناك و العياذ بالله بغض الديوثين يصورون أهلهم وهم غافلون أو يدرون لينشروا تلك الصور أو الأفلام على شبكة النت.
مهند الشيخلي ... muhannad alsheikhly

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق